خلود.. خلود.. هيا يا ابنتي لقد تأخرنا على السوق..
أسرعت في لبس العباءة.. أعتنيت كثيراً بالنقاب، نظرت إلى المرآة نظرة أخيرة... هكذا أبدو أجمل، أسرعت نحو أمي.. كانت غاضبة مني بسبب التأخير وزاد غضبها وحنقها عندما رأتني ألبس عباءتي الجديدة ونقابي المطرز..
= ما هذا ياخلود هل ستخرجين بهذا اللباس
- وماذا في هذا اللباس..أمي أنت لا تثقين بي وما كنت كذلك فلن أذهب معك إلى السوق ولن أذهب إلى فرح ابنة خالي.. وتظاهرت بالبكاء.. وقبل أن أعود كانت أمي تعلن الإستسلام.
تنقلنا بين المحلات التجارية.. كانت لحظات من الفرح، تمكنت خلالها من شراء كل ما أحب..
وفجأة.. شعرت بأن قدماي لم تعودا قادرتين على حملي، لبثت لحظة في مكاني.. صوت أمي يستحثني على السير، فحاولت التقدم.. ولكنني لم استطع؟ حاولت أن أتكلم.. تعثرت الكلمات في شفتيّ.. أقبلت أمي نحوي، خلود.. لماذا توقفتِ؟.. هيا يا بنتي لم يبق لنا إلا شراء الحذاء..
أمي.. نطقت بها بكل صعوبة.. أشعر بتعب شديد.. لا استطيع المشي أكثر.. حسناً.. انتظري هنا.. لن نتأخر.. وقفت في وسط السوق أراقب المتسوقين، وأقلب نظري في واجهات المحلات التجارية، شعرت بتحسنٍ بسيط، وقدرة على السير، قمت من مكاني اقتربت من إحدى اللوحات الدعائية..
تناهى إلى سمعي صوت شاب يقترب مني.. لم التفت نحوه، اقترب أكثر فأكثر.. تظاهرت بعدم السماع.. تشاغلت بمراقبة المعروضات.. وخطواته تقترب وكلماته بدت واضحة لي ّ.. وقف أمامي.. أمطرني بالكلمات الرقيقة..
أعرضت عنه.. واصل محاولاته لأتحدث إليه لم أمنحه الفرصة للحديث معي.. أخذ يصف جسدي، شعرت برعشة تسري في أطرافي.. قطرات العرق تصببت على وجهي، شعرت بالخوف الشديد.. واصل هو الوصف بأسلوبٍ حقير وقذر، شعرت بأنني أقف أمام هذا الشاب عارية.. وأن عباءتي المخصرة منحته الفرصة ليتعرف على أجزاء جسدي.. توجهت إلى الله وسألته أن يصرف عني هذا الشاب، تضرعت إليه.. سقطت دموعي على خدي.. بكيت بحرقة.. كدت أن أصرخ.. تمنيت أن تنشق الأرض وتبتلعني.. أنا السبب.. أنا من منحه الفرصة ليصفني بهذه الطريقة.. وفجأة.. أطلق الشاب آخر سهامه وسبابه قبل أن ينصرف الظاهر ما لنا فيك نصيب.. وأتبعها بكلمة قبيحة..
ابتعد عني.. وأخذت أنا أبكي بحرقة، لقد كانت كلماته سهام مسمومة تخترق جسدي، تصل إلى قلبي أحرقتني.. زلزلتني.. كدت أن أسقط على الأرض، توجهت إلى الله.. إنبعثت الكلمات من أعماق وجداني.
يارب.. يارب أغفر لي.. يارب سامحني، كم كنت مغرورة بنفسي.. ليتني سمعت كلام أمي، ليتها ضربتني.. ليتها صرخت في وجهي، أنا لا أثق بك ما دمت تلبسين هذه العباءة.. تذكرت خالتي.. وهي تنصحني كلما رأتني بهذه العباءة، خلود يا ابنتي رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة، خلود إحذري من غضب الله عليك، خلود.. تذكري حديث النبي صلى الله عليه وسلم «صنفان من أهل النار.. نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات لا يجدن ريح الجنة».
خلود.. هذه العباءة تعرضك للذئاب، الكل يحتقرك الكل ينظر إليك على أنك...... خلود أنا لا استطيع أن أنطق بها..
نظرت إلى عباءتي.. حذائي.. غطاء رأسي.. نقابي، جلست في أقرب مقعد.. وأخذت أبكي.. أقبلت أمي ومعها أختي.. عيناي المتورمتان من البكاء بعثت الخوف في قلبها، أسرعت نحوي.. سألتني: خلود لماذا تبكين؟.. هل نذهب بك إلى المستشفى؟
رفعت رأسي نحو أمي.. مسحت دمعتي.. لا.. لا داعي للذهاب إلى المستشفى.. لقد ذهب المرض، ذهب المرض.. الحمد لله.. لقد ذهب ولن يعود بإذن الله.. وقفت إلى جانب أمي التي قالت: لقد إنتهينا لنعد إلى البيت.. لا.. لم ننته بعد.. أريد أن أشتري الدواء.. نعم يا أمي.. هيا إلى بائع العباءات.. أريد شراء عباءة رأس... إنها الدواء لمرضي..
أحتضنتني أمي وأخذت تردد الحمد لله.. الحمد لله.
* قصة من الواقع
الكاتب: عبدالله الهندي.
المصدر: موقع طريق التوبة.